"لا تعنيني ولا تهمني طالما أنني ما زلت أعيش في هذه الخيمة بعيداً عن أرضي وبيتي"، بهذه العبارة عبّر "أبو أيهم زين الدين"، عن غضبه وسخريته من قرار محكمة العدل الدولية مؤخراً، والذي طالبت فيه بشار أسد باتخاذ جميع التدابير لمنع أعمال التعذيب ضد السوريين.
حالة اللا مبالاة التي خيّمت على "أبو أيهم" تكاد تكون حالة عامة يتصف بها قاطنو تجمع مخيمات الكمونة الذي يبعد 54 كيلو متراً من مدينة إدلب شمال سوريا ويضم قرابة 20 ألف مهجر موزعين على 11 مخيماً، يعيشون حياة مأساوية، في مشهد متناقض، فالقرارات التي يهلّل لها البعض لا يبدو أنه ستضع حداً للعقاب الجماعي ومعاناة مئات آلاف السوريين في المخيمات.
يتابع "أبو أيهم" المدير السابق لمخيم "بسمة أمل" في تجمع مخيمات الكمونة، حديثه لأورينت متسائلاً، "في ظروف أصعب مما نمرّ به الآن لم يغيّر أيّ قرار دوليّ من حالنا، فلماذا نتفاءل خيراً بقرار العدل الدولية؟ ثم هل منظومة الأسد تولي اهتماماً لأيّ قرار دولي؟ وهل أي منظمة دولية قادرة على تغيير سلوك أجهزة النظام الأمنية؟.. لقد عجز المجتمع الدولي برمّته عن إدخال كيلو طحين إلى غزة التي تضم مليوني مدني فماذا نتأمل منه تجاه قضيتنا؟..
يمكن ملاحظة أن بحث القاطنين في المخيمات عن سبل لوقاية خيامهم من مياه الأمطار والسيول الجارفة وتأمين التدفئة لأطفالهم هي الشغل الشاغل لهم بعيداً عن أي شأن خارجي لا سيما أنهم خبروا منذ أكثر من عقد تلاعب المجتمع الدولي بمصيرهم وتسهيله للحال التي وصلوا إليها.
انشغال بتأمين قوت اليوم
في الفترة التي صدر فيها قرار محكمة العدل الدولية كان "أبو خضر" المتحدر من ريف إدلب الجنوبي في مخيمات قاح على الحدود السورية- التركية منشغلاً في جمع أكياس النايلون والأعواد استعداداً لليلة باردة، بينما تقوم زوجته وأولاده بتثبيت الحجارة على محيط الخيمة التي لا تقف أمام الرياح العاتية، وترقيع أطرافها.
"ميليشيا أسد لم تنتهج التعذيب فقط، بل مارست ما هو أقسى من ذلك، لقد استخدمت السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، فماذا فعل العالم؟.. يقول الخمسيني "أبو خضر".
مشيراً إلى أن قاطني المخيمات عموماً، بل كل المدنيين الذين يعيشون في شمال سوريا منشغلين بتأمين قوت يومهم، وتثبيت خيامهم وتأمين حطب وعيدان تدفئ عظام أطفالهم، فالقرارات الدولية آخر ما يهتمون به، معتبراً أنها ستبقى حبراً على ورق طالما أن الإرادة الدولية في التخلص من أسد غائبة.
يقول فريق "منسقو استجابة سوريا"، إن أكثر من 94 % من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة للشتاء في مناطق شمال غرب سوريا التي تشهد زيادة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية للمدنيين البالغ عددهم أكثر من 4.1 مليون نسمة، يشكّل 85 في المئة منهم ضمن المخيمات.
وذكّر الفريق بأنه خلال الشتاء الماضي سبّب انخفاض درجات الحرارة حدوث وفيات نتيجة البرد إضافة إلى الحرائق في المخيمات نتيجة استخدام مواد تدفئة غير صالحة، كما سبّبت العواصف المطرية والهطولات الثلجية أضراراً ضمن 160 مخيماً، أدت إلى تضرّر أكثر من 80 ألف مدني، كما تسبّبت بتهدّم 300 خيمة، وتضرر 450 خيمة أخرى.
من جهتها، فقد استجابت فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) لتضرّر أكثر من 54 خيمة في 9 مخيمات في ريفي حلب وإدلب، فيما قدّمت الفرق جملة من التعليمات تتعلق باتخاذ تدابير الوقاية من الإصابة بالأمراض الشتوية واتخاذ التدابير اللازمة لتدفئة الأطفال والمسنين قدر المستطاع، وتجنّب المناطق المنخفضة التي تنشط فيها حركة السيول في حال هطول الأمطار الغزيرة.
قرارات مرهونة بالتجاذبات السياسية
نصّ قرار محكمة العدل الصادر في 16 من تشرين الثاني الجاري على أن يقوم نظام أسد، وفقاً لالتزاماته بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب الذي صادق عليها عام 2004، بوقف جرائم التعذيب في سجونه، في إطار القضية التي رفعتها هولندا وكندا ضده في حزيران الفائت.
القرار لاقى ترحيباً كبيراً من عدة منظمات حقوقية كمنظمة "هيومن رايتس ووتش" التي أكدت أن قرار محكمة العدل الدولية، "خطوة فارقة نحو حماية المدنيين في البلاد".
كما رحبّت "لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا"، بقرار المحكمة، معتبرة القرار أمراً تاريخيّاً من أعلى محكمة في العالم، لوقف التعذيب والاختفاء القسري والوفيات في مرافق الاحتجاز السورية.
قرار محكمة العدل كان قد سبقته بيوم مذكرة اعتقال دولية، صادرة من قضاة التحقيق الجنائي الفرنسيين، بحقّ بشار أسد، وشقيقه ماهر، واثنين من معاونيه، بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما والغوطة الشرقية في دمشق عام 2013.
في حديثه لأورينت، أكد الناشط السوري "معتز ناصر"، أن السوريين باتوا يدركون عبثية المسارات الدولية، وفراغها من أي مضمون، بعد أن مرت كل تلك السنوات على معاناتهم الموثقة بكل أشكال التوثيق على يد بشار أسد، والذي لا يزال المجتمع الدولي يحابيه وينافقه، جزاءً له على جهده في قتل السوريين.
ورأى ناصر، أن قرارات المؤسسات الدولية لا تقوم على الحقوق والعدل، بل تخضع للتجاذبات السياسية، كما إن موازين القوى هي ما يتحكم بها، وقد فهم السوريون هذا الأمر، ولو متأخرًا، معتبرًا أن اللامبالاة الباردة للعالم بقتل السوريين خلقت لامبالاة مماثلة عندهم، مع إيمانهم التام -لا سيما منكوبي المخيمات- أن النظام الدولي لا يزال يحتضن بشار أسد، ويراه جزءاً مهماً منه، بل وأصبح إجرامه مدرسة تتبعها باقي مكونات النظام الدولي في حروب إبادتها ضد الشعوب المتمردة، ومثال على ذلك ممارسات الكيان الصهيوني ضد أهل غزة المستلهمة من ممارسات آل أسد.
تعليقات
إرسال تعليق