ويقوم الشيعة في كل عام بالاحتفال في الخامس من الشهر الهجري الحالي "جمادى الأولى"، وهو يوم مولد السيدة "زينب بنت علي بن أبي طالب"، كما يحييون أيام 13 و14 و15 من ذات الشهر، إذ يسمون هذه الأيام بـ "الأيام الفاطمية الأولى"، أي ذكرى شهادة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ليتخذونها أيام حزن وعزاء، حسب السرديات الشيعية.
وشهد تدفق الزائرين الشيعة هذا العام ازديادا ً ملحوظًا، إذ نقلت صحيفة الوطن الموالية، عن "وزير السياحة" في حكومة أسد "محمد رامي مرتيني"، أنه من المتوقع أن يتجاوز عدد الوافدين من العراق إلى سوريا 300 ألف زائر حتى نهاية هذا العام، بزيادة 25 في المئة عن العام الفائت.
وقال مرتيني: "لولا توقف المطارات نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية لكانت الأعداد أكبر، وخاصة أن توقف المطارات أثر في حركة الطيران المنتظم بين دمشق وبغداد وأكثر من مدينة عراقية تستقدم مجموعات سياحية إلى سوريا".
حكومة أسد كانت قد قدّمت جملة من التسهيلات للزوار الشيعة، آخرها إلغاء شرط الموافقة الأمنية والتأشيرة المسبقة للمواطنين العراقيين الذين يرغبون بدخول سوريا للمرة الأولى، سبق ذلك إصدار المصرف المركزي السوري قرارًا يقضي بالسماح للزائر الإيراني القادم إلى سوريا عن طريق منظمة "الحج والزيارة الإيرانية"، بتسديد أجور الإقامة في الفنادق بالليرة السورية.
السيدة زينب (نجف سوريا)
رغم وجود عدة دراسات تاريخية تؤكد أن السيدة زينب بنت علي ماتت في المدينة ودُفنت في البقيع بالمدينة المنورة، إلا أن الشيعة يصرون على ممارسة طقوسهم في ذكرى وفاتها بمنطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق، والتي تعد اليوم ثالث أكبر حوزة علمية في العالم بعد قم بإيران والنجف في العراق، ولا يتعلق الأمر بمزاعم وجود مقام السيدة زينب، بل تجاوز ذلك لمزاعم بوجود مقام سكينة بنت علي بن أبي طالب في داريا، وهو ما كان واحدًا من عدة عوامل محفّزة لتدفق الشيعة قبل اندلاع الثورة السورية وازدياد ذلك بعد اندلاعها، إذ سلخت إيران حي "السيدة زينب"، (والتي تسمى قديمًا قرية راوية) عن محيطه وحولته إلى عاصمة إدارية شيعية لها متخذة من شعار "لن تسبى زينب مرتين"، حجةً لجذب الميليشيات الشيعية والتموضع، بعد أن هجّرت العائلات السنّية منها بعد عام 2012.
ويمكن ملاحظة رمزية المنطقة بالنسبة للإيرانيين من خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لمرقد السيدة زينب في مايو/ أيار الفائت، وبكائه هناك. سبقه بذلك ظهور قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، باكيًا أيضًا، قبل أن يُقتل بغارة أمريكية مطلع عام 2020، ما يعطي رسالة تؤكد أن للبلدة مكانة مهمة لإيران عموماً وللشيعة من كل أصقاع الأرض، هذا إذا ما علمنا تحوّلها لأضخم معقل محصّن شيعيّ في قلب العاصمة، حيث تقطنه عوائل قادة عسكريين إيرانيين بينهم ضباط بالحرس الثوري.
تدهور أمني وتسهيلات واسعة
ليس القراران السابق ذكرهما ما يشجع على ما يسمى بالسياحة الدينية إلى سوريا فقط، فبالعموم عملَت ميليشيا أسد على تثبيت القدم الإيرانية في البلاد منذ عهد الأب حافظ، فعلى سبيل المثال كانت تعد السيدة زينب بلدة سنية خالصة، تضم خليطًا من أبناء الجولان السوري المحتل وأبناء من ريفي حلب وإدلب إلى جانب لاجئين فلسطينيين، إلا أنه وفي العام 1976 بدأ تأسيس المقام والحوزات التابعة له، أهمها "الحوزة الزينبية" للتعليم الديني العالي الشيعي والتي أسّسها المعمّم الشيعي الهارب من العراق "حسن مهدي الشيرازي"، مدعياً أن (تأسيسها هو إحياء لمذهب أهل البيت في عاصمة الأمويين أعداء أهل البيت)، ثم توالى بناء الحوزات، فقد أُسّس ما بين عامي (1995-2006) ما يزيد عن 17 حوزة و3 كليات للتعليم الديني، بالإضافة لمديرية الحوزات.
ما بعد اندلاع الثورة السورية عقدت ميليشيا أسد عشرات الاتفاقيات الدينية والعسكرية والاقتصادية والعلمية وغيرها مع طهران، إضافة إلى تعمدها تشجيع البضائع الإيرانية في الأسواق السورية، وغضّ الطرف عن الهجرة الشيعية واستيطان الأسر في سوريا، وبناء الأضرحة وفتح الحسينيات ومراكز التدريس والتعليم.
ويمكن تفسير هذه التسهيلات الخاصة للشيعة الإيرانيين والعراقيين دون غيرهم بسبب الرغبة في تشجيع الاستيطان وتحقيق نوع من التوازن الديمغرافي، إضافة إلى ضعف الإقبال على السياحة السورية عموماً من الجنسيات الأجنبية الأخرى، إذ تعيش البلاد تدهوراً معيشياً وأمنياً رغم انحسار المعارضة السورية إلى أقصى الشمال السوري.
ويظهر للمعاين أن إيران لديها إستراتيجية واسعة لتشجيع الشيعة لزيارة سوريا ولا سيما عبر ما يسمى بالسياحة الدينية، مع ما يقابل تلك الاستراتيجية من توافق ميليشيا أسد، بهدف زيادة عمليات التحشيد والتجنيد ضمن مليشياتها، والمضي في تأمين الطريق البري بين سوريا والعراق الأقل تكلفة.
تعليقات
إرسال تعليق